كيف يمكن ان نصدق ان الحكومة الامريكية التي اعلنت
الحرب على الارهاب والقاعدة والاسلاميين هي نفسها التي تساعد هذه الجماعات
للوصول الى السلطة؟ كيف يمكن ان نصدق ان اوروبا التي ثارت على الدولة
الدينية والكنيسة تسعى وتبارك المسجد والحكومات الدينية ؟
كيف نفسر بان امريكا قد ارتضت لنفسها حكما مدنيا ديموقراطيا واعتبرته النظام الامثل، في حين تسعى لخلق حكوم
كيف نفسر بان امريكا قد ارتضت لنفسها حكما مدنيا ديموقراطيا واعتبرته النظام الامثل، في حين تسعى لخلق حكوم
ات دينية في بلادنا تحت ذريعة الديموقراطية؟ وما هو الشكل المطلوب بالضبط؟ هل المطلوب دولة دينية ام ديموقراطية؟
إن المقولة التي تدعي بان الغرب يسعى الى تصفية الاسلام والخلاص منه مقولة مثيرة للسخرية، فالاسلام بالنسبة للغرب يعد كنزا وثروة لا تقل اهمية عن النفط ، لقد استفاد الغرب خلال عقود طويلة من الاسلام والاسلاميين، ومن تكريس مفهوم الجهاد في محاربة الشيوعية والاتحاد السوفيتي، حيث اثبت الاسلاميون بانهم ادوات طيعة وسريعة ومؤثرة ورخيصة يمكن استجلابها عند الحاجة، فلقد استمعنا للكثير من رجال الدين الذين اصدروا فتاوى تحض على النعرات الطائفية والاستعانة بالصليبي والاستقواء بالاجنبي والحث على الفوضى والفتنة وسفك الدماء، فلماذا يلجأ الغرب إلى التفكير في التخلص من الإسلام ما دام باستطاعتهم الاستفادة من هذه الورقة الرابحة من خلال تجنيد الفقهاء والمجاهدين والعملاء والسيطرة على عقول البسطاء ؟
لقد كان الاسلاميون ادوات فعالة بايدي الامبريالية للاطاحة بالانظمة الوطنية والقومية والاشتراكية التي تتعارض مع المصالح الراسمالية الاستعمارية، حيث امتازوا بالقدرة على التكفير والتنفير من المذاهب الفكرية الاخرى والقدرة على تلميع الرأسمالية والترويج لها ، وذلك من خلال استخدام المقولات الدينية التي تخاطب عقول المسلمين وتتحكم بمشاعرهم، وتعمل على غسل ادمغتهم وتجنيدهم كمجاهدين للعمل في نفس خندق الناتو والبنتاغون.
لقد تم استثمار الاسلام السياسي بشقيه السني والشيعي، فلقد تم تسهيل وصول الاسلاميين الشيعة في ايران حتى لا تكون اسرائيل الدولة الدينية الوحيدة، وحتى يتم خلق ما يسمى "بالعدو المثالي" الذي يعطي الاعذار بالتدخل السافر في شؤون الدول بمختلف الطرق، لقد استغلت امريكا الثورة الايرانية لابتزاز دول الخليج ، حيث قدمت نفسها الحامي في مقابل الخطر الشيعي الايراني ، مما مهد لها ان تنشر قواعدها وان تهيمن على منطقة الخليج كاملة، وفي المقابل ساندت امريكا الحركات الاسلامية المتطرفة النابعة من الفكر الوهابي المتشدد لمواجهة الخطر الشيوعي الكافر سابقا! ولمواجهة الفكر الشيعي المنحرف حاليا! فكان سلاح ( التكفير) هو السلاح الفعال الفتاك الذي استخدمته هذه الجماعات لمحاربة اي فكر يخالفها ، وقد نجحت امريكا نجاحا باهرا في استثمار هذه السلاح لاقصى درجاته، فقد استطاعت ان تعزل ايران عن محيطها الاقليمي وان تجعل منها عدوا للعرب والاسلام، ونجحت في تدمير افغانستان والاطاحة بالاتحاد السوفيتي، وازهاق ملايين الارواح في افغانستان والعراق من خلال اذكاء الفتنة المذهبية بافتعال التفجيرات المقصودة في مناطق السنة والشيعة كلا على حدة، مما خلق شعورا بالتهديد والحقد لدى كل طائفة، وهذا بدورة ادى الى المزيد من التشدد والغلو في الدين لدى كل طرف، وقد ساهم الاعلام المكثف والموجه لتعميق هذا الشرخ في نفوس وعقول المسلمين، وخصصت قنوات اعلامية دينية كاملة لكي تبث الافكار السامة وتحرض على الكراهية وتكفر كل المذاهب، بالاضافة الى القنوات التي ترتدي مظهرا حضاريا وتعمل تحت ستار حرية الراي والراي الاخر مثل قناة الجزيرة ومثيلاتها.
ان نجاح الغرب في افغانستان والعراق والسودان شجعهم اكثر على استثمار الاسلام السياسي وتسخير الجماعات الاسلامية لاكمال باقي المخططات ، لقد كانت تجربة الاسلاميين في افغانستان مدمرة بكل معنى الكلمة، حيث تم تسخير الاسلام لخدمة المشروع الاستعماري الغربي ، وتم استخدام الاسلاميين للعمل مجانا كوقود وجنود مرتزقة ضد الاتحاد السوفيتي الذي درّس آلاف الطلبة من ابنائنا في جامعاته مجانا والذي لم يحرك طائراته واساطيله لغزو بلادنا ، وهكذا تم اغفال العدو الاساسي والتوجه لمحاربة (عدو عدونا) ، فضخت الاموال وازهقت الارواح ، ودمرت البلاد، ، فماذا استفاد الاسلام والاسلاميون من ذلك؟
ان هناك علاقة عضوية بين استخدام مفهوم الدين وتفكيك الدولة، حيث يتم استخدام الدين لاستفزاز الجماعات الاخرى التي ستشعر بالتهميش والاضطهاد والظلم، وقد ظهرت هذه العلاقة بشكل واضح تفكيك يوغوسلافيا ، وفي تجربة الاسلاميين في السودان وتجربة حماس في فلسطين، فقد دخلت حركة حماس النظام السياسي الفلسطيني بعملية ديمقراطية، ثم انقلبت على المعايير الديمقراطية مما ادى الى سقوط مئات القتلى والجرحى وحدوث شرخ في النسيج الوطني، فاصبح هناك دولتان ونظامان سياسيان في الضفة والقطاع.
وقد ادى حكم الاسلاميين في السودان الى تقسيم اكبر دولة عربية الى دولتين ، دولة مسلمة في الشمال ودولة مسيحية في الجنوب، كنتيجة لفرض الحكومة السودانية تطبيق الشريعة الإسلامية على جميع مواطني السودان دون مراعاة للمعتقدات الدينية والاثنية المختلفة. مما ادى الى حروب اهلية استمرت لسنوات طويلة ، ومن ثم الى تدخلات اجنبية و تغلغل المنظمات الدولية، وبعد ان انهك الطرفان ونضجت طبخة التقسيم تم تقديم الحل السحري( المخطط له مسبقا) وهو "استفتاء" في جنوب السودان، وكان من البديهي ان يفضل الجنوبيون الانفصال على البقاء تحت حكم دولة دينية إسلامية لا تمثلهم.
وبهذا السيناريو المتسلسل المتقن تم استخدام الاسلام السياسي في سلخ الجزء الجنوبي للسودان وتسلميه للامريكان والفاتيكان والصهاينة، وهذه ضربة موجعة للاسلام ونموذجا مرعبا اذا ما تكرر تطبيقة في بلدان عربية اخرى، وهناك مخاوف من تطبيق النموذج السوداني في التقسيم على مصر، فتكرار حرق الكنائس القبطية مؤشر خطير يهدف الى استفزاز الاقباط ودفعهم للمطالبة بالانفصال، وعندئذ سيكون الغرب على اهبة الاستعداد للتدخل بشتى السبل بحجة حماية الاقليات من خطر الاسلاميين .
ان الطريقة التي جاء بها الاسلاميون للسلطة في العراق تتناقض مع ابسط مباديء الاسلام، فالاسلاميون في العراق جاؤا على ظهر الدبابة الامريكية وهم يتبعون سلطات الاحتلال، والاسلاميون في ليبيا جاؤا على ظهر طائرات الناتو (الطير الابابيل كما سماها احد مشايخ ليبيا)، وكلاهما وصل للسلطة على حساب الارواح التي ازهقت بالقتل والمجازر (المقرونة بالتكبير) . إن النموذج الليبي لوصول الإسلاميين إلى السلطة نموذج مخيف، لانه يجسد التشويه الواضح والمتعمد للاسلام، وهذه الصورة البشعة سوف تترسخ في نفوس اصحاب الاديان والمذاهب الاخرى، وستشكل هذه الصورة البذرة الاولى للانقسام على اسس دينية ومذهبية سواء في ليبيا او في غيرها من الاقطار العربية.
لسنا من السذاجة بحيث نصدق بان الصدفة وحدها او حتى ارادة الشعوب هي السبب في فوز الاحزاب الاسلامية في الاقطار التي اندلعت فيها الاضطرابات والمظاهرات، لقد وصل الاسلاميون للسلطة في كل من تونس ومصر وليبيا والمغرب بشكل متساوق ومذهل ومثير للدهشة، انه عمل متقن ومحبوك بامتياز ، وان ما حدث اشبه بفيلم هندي او فلنقل انه فيلم امريكي بحق، لقد نجح المخطط الامريكي فعلا بايصال الاسلامين للسلطة حسب ما خطط ودبر وصرح منذ سنوات.
للاسف، تتجاهل الاحزاب الاسلامية الفائزة وتصم آذانها عن الحقيقة المؤلمة ، وهي أن وصولها للحكم وبمباركة تامة من الحكومة الامريكية والاسرائيلية هي من اجل اشعال الحروب الدينية في المنطقة ونشرالارهاب الذي تدعي الولايات المتحدة محاربته، ان مخاوف نشوء دولة دينية اسلامية سيجعل الجماعات الدينية والمذهبية الاخرى تشعر بالتهديد والرفض، ما يعزّز منطق الصراع والاقتتال المذهبي والحروب الاهلية وحالات اللجوء والتهجير، وفي النهاية يأتي "التقسيم" كحل ليكون هو المخلص والمنقذ، لان الاسلاميين سيرفضون الدولة العلمانية التي تريدها المذاهب الاخرى، وسترفض المذاهب الاخرى بدورها مبدأ الدولة الدينية التي يريدها الاسلامييون.
لقد تكونت لدى الغرب خبرة متراكمة في التعامل مع الاسلاميين، فهي (تعتمد على اسلوب التعزيز والمهاجمة في نفس الوقت) فبعد ان تم استهلاك تنظيم القاعدة على مدار عشرات السنوات، عمدوا الى الاعلان عن قتل اسامة بن لادن بمسرحية مكشوفة لكي يعلنوا عن حقبة جديدة ووجه جديد واداة اكثر حداثة من ادوات استثمار الاسلام وهذه المرة من خلال ايصال الاخوان المسلمين لمراكز السلطة لانهم اكثر اعتدالا حسب زعمهم ، حيث اهتدوا الى ان افضل السبل لتنفيذ مشروع الشرق الاوسط الجديد واعادة تقسيم وتفتيت الوطن العربي هي في ايصال الإسلاميين إلى السلطة في العالم العربي لخلق منطقة تموج بالصراعات المختلفة، انها فكرة شيطانية بحق تحقق الكثير من المنافع للغرب باقل كلفة واقصر وقت .
ان ما يجري اليوم في عالمنا العربي هو فخ كبير، لان تسلّم الاسلاميين للسلطة ، يهدف باختصار الى ما يلي:
· القضاء على كل اشكال الحكومات الوطنية التي تقوم على القومية والاشتراكية، كما حصل في العراق وليبيا وحاليا في سوريا.
· القضاء على مفهوم الوحدة العربية من خلال ضرب العروبة بالاسلام، وخلق شرخ بين العروبة والاسلام وهذا ما يجري حاليا في الدول العربية التي وصلت فيها الاحزاب الاسلامية للسلطة حيث يتم مثلا الغاء كلمة (العربية) في نهاية اسم القطر العربي .
· استخدام الدين كاداة للحروب الطائفية والاهلية، من خلال اثارة النعرات الطائفية والمذهبية ، وافتعال التفجيرات في المناطق المختلفة، وقد نجح هذا الاسلوب في السودان والعراق ولبنان وفلسطين .
· اعادة تقسيم الوطن العربي على اسس دينية ومذهبية صغيرة ومتناحرة لخلق ما يسمى مشروع الشرق الاوسط الجديد.
· تشويه الاسلام والتنفير منه، من خلال دعم التطرف والارهاب والتحريض على العنف لتبرير الحرب على الارهاب.
· انهاء الصراع العربي الاسرائيلي لصالح اسرائيل، من خلال الاتفاق المسبق مع الاسلاميين في مختلف الدول العربية بالموافقة على كامب ديفيد مقابل السلطة .
· تحويل الانظار من العدو الخارجي الى العدو الداخلي ، حيث تصبح الحكومات العربية واجهزة الجيش والامن هي العدو الاساسي للشعوب العربية ، وهذا ما يتضح بجلاء في الاحداث التي تجري في مصر واليمن وسوريا.
إن المقولة التي تدعي بان الغرب يسعى الى تصفية الاسلام والخلاص منه مقولة مثيرة للسخرية، فالاسلام بالنسبة للغرب يعد كنزا وثروة لا تقل اهمية عن النفط ، لقد استفاد الغرب خلال عقود طويلة من الاسلام والاسلاميين، ومن تكريس مفهوم الجهاد في محاربة الشيوعية والاتحاد السوفيتي، حيث اثبت الاسلاميون بانهم ادوات طيعة وسريعة ومؤثرة ورخيصة يمكن استجلابها عند الحاجة، فلقد استمعنا للكثير من رجال الدين الذين اصدروا فتاوى تحض على النعرات الطائفية والاستعانة بالصليبي والاستقواء بالاجنبي والحث على الفوضى والفتنة وسفك الدماء، فلماذا يلجأ الغرب إلى التفكير في التخلص من الإسلام ما دام باستطاعتهم الاستفادة من هذه الورقة الرابحة من خلال تجنيد الفقهاء والمجاهدين والعملاء والسيطرة على عقول البسطاء ؟
لقد كان الاسلاميون ادوات فعالة بايدي الامبريالية للاطاحة بالانظمة الوطنية والقومية والاشتراكية التي تتعارض مع المصالح الراسمالية الاستعمارية، حيث امتازوا بالقدرة على التكفير والتنفير من المذاهب الفكرية الاخرى والقدرة على تلميع الرأسمالية والترويج لها ، وذلك من خلال استخدام المقولات الدينية التي تخاطب عقول المسلمين وتتحكم بمشاعرهم، وتعمل على غسل ادمغتهم وتجنيدهم كمجاهدين للعمل في نفس خندق الناتو والبنتاغون.
لقد تم استثمار الاسلام السياسي بشقيه السني والشيعي، فلقد تم تسهيل وصول الاسلاميين الشيعة في ايران حتى لا تكون اسرائيل الدولة الدينية الوحيدة، وحتى يتم خلق ما يسمى "بالعدو المثالي" الذي يعطي الاعذار بالتدخل السافر في شؤون الدول بمختلف الطرق، لقد استغلت امريكا الثورة الايرانية لابتزاز دول الخليج ، حيث قدمت نفسها الحامي في مقابل الخطر الشيعي الايراني ، مما مهد لها ان تنشر قواعدها وان تهيمن على منطقة الخليج كاملة، وفي المقابل ساندت امريكا الحركات الاسلامية المتطرفة النابعة من الفكر الوهابي المتشدد لمواجهة الخطر الشيوعي الكافر سابقا! ولمواجهة الفكر الشيعي المنحرف حاليا! فكان سلاح ( التكفير) هو السلاح الفعال الفتاك الذي استخدمته هذه الجماعات لمحاربة اي فكر يخالفها ، وقد نجحت امريكا نجاحا باهرا في استثمار هذه السلاح لاقصى درجاته، فقد استطاعت ان تعزل ايران عن محيطها الاقليمي وان تجعل منها عدوا للعرب والاسلام، ونجحت في تدمير افغانستان والاطاحة بالاتحاد السوفيتي، وازهاق ملايين الارواح في افغانستان والعراق من خلال اذكاء الفتنة المذهبية بافتعال التفجيرات المقصودة في مناطق السنة والشيعة كلا على حدة، مما خلق شعورا بالتهديد والحقد لدى كل طائفة، وهذا بدورة ادى الى المزيد من التشدد والغلو في الدين لدى كل طرف، وقد ساهم الاعلام المكثف والموجه لتعميق هذا الشرخ في نفوس وعقول المسلمين، وخصصت قنوات اعلامية دينية كاملة لكي تبث الافكار السامة وتحرض على الكراهية وتكفر كل المذاهب، بالاضافة الى القنوات التي ترتدي مظهرا حضاريا وتعمل تحت ستار حرية الراي والراي الاخر مثل قناة الجزيرة ومثيلاتها.
ان نجاح الغرب في افغانستان والعراق والسودان شجعهم اكثر على استثمار الاسلام السياسي وتسخير الجماعات الاسلامية لاكمال باقي المخططات ، لقد كانت تجربة الاسلاميين في افغانستان مدمرة بكل معنى الكلمة، حيث تم تسخير الاسلام لخدمة المشروع الاستعماري الغربي ، وتم استخدام الاسلاميين للعمل مجانا كوقود وجنود مرتزقة ضد الاتحاد السوفيتي الذي درّس آلاف الطلبة من ابنائنا في جامعاته مجانا والذي لم يحرك طائراته واساطيله لغزو بلادنا ، وهكذا تم اغفال العدو الاساسي والتوجه لمحاربة (عدو عدونا) ، فضخت الاموال وازهقت الارواح ، ودمرت البلاد، ، فماذا استفاد الاسلام والاسلاميون من ذلك؟
ان هناك علاقة عضوية بين استخدام مفهوم الدين وتفكيك الدولة، حيث يتم استخدام الدين لاستفزاز الجماعات الاخرى التي ستشعر بالتهميش والاضطهاد والظلم، وقد ظهرت هذه العلاقة بشكل واضح تفكيك يوغوسلافيا ، وفي تجربة الاسلاميين في السودان وتجربة حماس في فلسطين، فقد دخلت حركة حماس النظام السياسي الفلسطيني بعملية ديمقراطية، ثم انقلبت على المعايير الديمقراطية مما ادى الى سقوط مئات القتلى والجرحى وحدوث شرخ في النسيج الوطني، فاصبح هناك دولتان ونظامان سياسيان في الضفة والقطاع.
وقد ادى حكم الاسلاميين في السودان الى تقسيم اكبر دولة عربية الى دولتين ، دولة مسلمة في الشمال ودولة مسيحية في الجنوب، كنتيجة لفرض الحكومة السودانية تطبيق الشريعة الإسلامية على جميع مواطني السودان دون مراعاة للمعتقدات الدينية والاثنية المختلفة. مما ادى الى حروب اهلية استمرت لسنوات طويلة ، ومن ثم الى تدخلات اجنبية و تغلغل المنظمات الدولية، وبعد ان انهك الطرفان ونضجت طبخة التقسيم تم تقديم الحل السحري( المخطط له مسبقا) وهو "استفتاء" في جنوب السودان، وكان من البديهي ان يفضل الجنوبيون الانفصال على البقاء تحت حكم دولة دينية إسلامية لا تمثلهم.
وبهذا السيناريو المتسلسل المتقن تم استخدام الاسلام السياسي في سلخ الجزء الجنوبي للسودان وتسلميه للامريكان والفاتيكان والصهاينة، وهذه ضربة موجعة للاسلام ونموذجا مرعبا اذا ما تكرر تطبيقة في بلدان عربية اخرى، وهناك مخاوف من تطبيق النموذج السوداني في التقسيم على مصر، فتكرار حرق الكنائس القبطية مؤشر خطير يهدف الى استفزاز الاقباط ودفعهم للمطالبة بالانفصال، وعندئذ سيكون الغرب على اهبة الاستعداد للتدخل بشتى السبل بحجة حماية الاقليات من خطر الاسلاميين .
ان الطريقة التي جاء بها الاسلاميون للسلطة في العراق تتناقض مع ابسط مباديء الاسلام، فالاسلاميون في العراق جاؤا على ظهر الدبابة الامريكية وهم يتبعون سلطات الاحتلال، والاسلاميون في ليبيا جاؤا على ظهر طائرات الناتو (الطير الابابيل كما سماها احد مشايخ ليبيا)، وكلاهما وصل للسلطة على حساب الارواح التي ازهقت بالقتل والمجازر (المقرونة بالتكبير) . إن النموذج الليبي لوصول الإسلاميين إلى السلطة نموذج مخيف، لانه يجسد التشويه الواضح والمتعمد للاسلام، وهذه الصورة البشعة سوف تترسخ في نفوس اصحاب الاديان والمذاهب الاخرى، وستشكل هذه الصورة البذرة الاولى للانقسام على اسس دينية ومذهبية سواء في ليبيا او في غيرها من الاقطار العربية.
لسنا من السذاجة بحيث نصدق بان الصدفة وحدها او حتى ارادة الشعوب هي السبب في فوز الاحزاب الاسلامية في الاقطار التي اندلعت فيها الاضطرابات والمظاهرات، لقد وصل الاسلاميون للسلطة في كل من تونس ومصر وليبيا والمغرب بشكل متساوق ومذهل ومثير للدهشة، انه عمل متقن ومحبوك بامتياز ، وان ما حدث اشبه بفيلم هندي او فلنقل انه فيلم امريكي بحق، لقد نجح المخطط الامريكي فعلا بايصال الاسلامين للسلطة حسب ما خطط ودبر وصرح منذ سنوات.
للاسف، تتجاهل الاحزاب الاسلامية الفائزة وتصم آذانها عن الحقيقة المؤلمة ، وهي أن وصولها للحكم وبمباركة تامة من الحكومة الامريكية والاسرائيلية هي من اجل اشعال الحروب الدينية في المنطقة ونشرالارهاب الذي تدعي الولايات المتحدة محاربته، ان مخاوف نشوء دولة دينية اسلامية سيجعل الجماعات الدينية والمذهبية الاخرى تشعر بالتهديد والرفض، ما يعزّز منطق الصراع والاقتتال المذهبي والحروب الاهلية وحالات اللجوء والتهجير، وفي النهاية يأتي "التقسيم" كحل ليكون هو المخلص والمنقذ، لان الاسلاميين سيرفضون الدولة العلمانية التي تريدها المذاهب الاخرى، وسترفض المذاهب الاخرى بدورها مبدأ الدولة الدينية التي يريدها الاسلامييون.
لقد تكونت لدى الغرب خبرة متراكمة في التعامل مع الاسلاميين، فهي (تعتمد على اسلوب التعزيز والمهاجمة في نفس الوقت) فبعد ان تم استهلاك تنظيم القاعدة على مدار عشرات السنوات، عمدوا الى الاعلان عن قتل اسامة بن لادن بمسرحية مكشوفة لكي يعلنوا عن حقبة جديدة ووجه جديد واداة اكثر حداثة من ادوات استثمار الاسلام وهذه المرة من خلال ايصال الاخوان المسلمين لمراكز السلطة لانهم اكثر اعتدالا حسب زعمهم ، حيث اهتدوا الى ان افضل السبل لتنفيذ مشروع الشرق الاوسط الجديد واعادة تقسيم وتفتيت الوطن العربي هي في ايصال الإسلاميين إلى السلطة في العالم العربي لخلق منطقة تموج بالصراعات المختلفة، انها فكرة شيطانية بحق تحقق الكثير من المنافع للغرب باقل كلفة واقصر وقت .
ان ما يجري اليوم في عالمنا العربي هو فخ كبير، لان تسلّم الاسلاميين للسلطة ، يهدف باختصار الى ما يلي:
· القضاء على كل اشكال الحكومات الوطنية التي تقوم على القومية والاشتراكية، كما حصل في العراق وليبيا وحاليا في سوريا.
· القضاء على مفهوم الوحدة العربية من خلال ضرب العروبة بالاسلام، وخلق شرخ بين العروبة والاسلام وهذا ما يجري حاليا في الدول العربية التي وصلت فيها الاحزاب الاسلامية للسلطة حيث يتم مثلا الغاء كلمة (العربية) في نهاية اسم القطر العربي .
· استخدام الدين كاداة للحروب الطائفية والاهلية، من خلال اثارة النعرات الطائفية والمذهبية ، وافتعال التفجيرات في المناطق المختلفة، وقد نجح هذا الاسلوب في السودان والعراق ولبنان وفلسطين .
· اعادة تقسيم الوطن العربي على اسس دينية ومذهبية صغيرة ومتناحرة لخلق ما يسمى مشروع الشرق الاوسط الجديد.
· تشويه الاسلام والتنفير منه، من خلال دعم التطرف والارهاب والتحريض على العنف لتبرير الحرب على الارهاب.
· انهاء الصراع العربي الاسرائيلي لصالح اسرائيل، من خلال الاتفاق المسبق مع الاسلاميين في مختلف الدول العربية بالموافقة على كامب ديفيد مقابل السلطة .
· تحويل الانظار من العدو الخارجي الى العدو الداخلي ، حيث تصبح الحكومات العربية واجهزة الجيش والامن هي العدو الاساسي للشعوب العربية ، وهذا ما يتضح بجلاء في الاحداث التي تجري في مصر واليمن وسوريا.